جوناثان إدوارد حول درجات المكافأة في السماء
كتاب نصيب الأبرار لكاتبه جوناثان إدواردز بتاريخ ديسمبر 1740، يعلق على رومية 2: 10: "وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ" فيقول:
3. توجد درجات مختلفة من السعادة والمجد في السماء. مثلما توجد رتب مختلفة بين الملائكة، أي، العروش، والرئاسات، والسلاطين، والقوات، هكذا توجد درجات بين القديسين. في السماء توجد منازل كثيرة، وهي منازل ذات درجات مختلفة من الكرامة. فمجد القديسين في الأعلى سيتناسب بدرجة ما مع سموّهم في القداسة والأعمال الصالحة هنا.
سيكافئ المسيح الكل بحسب أعمالهم. فهذا الذي كسب العشرة وزنات جُعل حاكمًا على عشرة مدن، والذي كسب خمسة وزنات جُعل حاكمًا على خمسة مدن. لوقا 19: 17، 2 كورنثوس 9: 6: "هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ." ويقول لنا الرسول بولس أنه مثلما يختلف نجمًا عن نجم آخر في المجد، هكذا هو الحال أيضًا في قيامة الأموات. 1 كورنثوس 15: 41. يقول لنا المسيح أن من يعطي كوب ماء بارد لتلميذ باسم التلميذ، فلن يضيع أجره. ولكن لن يصح هذا إن لم يحصل الشخص على مكافئة أعظم لعمل الكثير من الأعمال الصالحة عما سيحصل عليه إن فعل القليل.
وجود أخرون متقدمون في المجد لا يقلل من فرح ذوي المرتبات الأدنى من الفرح والمجد. لأن الكل سيكون في فرح كامل، وكل سيكون في رضى تام. كل وعاء يُلقى في هذا المحيط من السعادة سيمتلئ، بالرغم من أن بعض الأوعية أكبر بكثير من الأوعية الأخرى.
ولن يكون هناك حقد في السماء، بل المحبة الكاملة ستسود في المجتمع ككل. هؤلاء الذين ليسوا على مرتبة عالية من المجد مثل الآخرين، لن يحقدوا على الأعلى منهم ولكن محبتهم لهم ستكون عظيمة جدًا، وقوية جدًا، ونقية جدًا، حتى أنهم سيفرحون في سعادة فائقة. محبتهم لهم ستكون كبيرة حتى أنهم سيفرحون لكونهم أسعد من أنفسهم، فيكون أنه بدلًا من تقليل فرحهم، فإنه سيزداد. سيرون أنه من الملائم أن هؤلاء الذين ثبتوا في أعمال البر أكثر يمجدون أكثر. وسيفرحون عنما يتم هذا، لأن هذا هو الأمر الملائم.
سيكون هناك تناغم تام في هذا المجتمع، هؤلاء الأكثر سعادة سيكونون هم أيضًا الأكثر قداسة، والكل سيكون كامل القداسة وكامل الفرح أيضًا. ومع ذلك، فستكون هناك درجات مختلفة من القداسة والفرح بحسب مقياس مقدرة كل شخص على حدى، ولذلك، فهؤلاء الأدنى في المجد سيكون عندهم المحبة العظمى لهؤلاء الأسمى في الفرح، لأنهم سيرون أقصى شكل لصورة الله فيهم. ولكونهم يكنّون لهم بالمحبة العظمى، فإنهم سيفرحون أن يروهم أكثر سعادة وفي أعلى مراكز المجد.
وبالتالي، فمن الناحية الأخرى، فإن هؤلاء الأعظم في المجد، لكونهم الأروع، فإنهم سيكونون الأكثر امتلاء بالمحبة. حيث أنهم سيسمون في الفرح، فسيسمون بشكل متناسب في الإحسان الإلهي ومحبتهم للآخرين، وسيكون لهم المزيد من المحبة لله وللقديسين أكثر مما للذي للأقل في القداسة والفرح. وإلى جانب ذلك، فإن هؤلاء الذين سيسمون في المجد سيسمون أيضًا في الاتضاع.
هنا في هذا العالم، نجد أن هؤلاء الذين هم فوق الآخرين هم موضوع حقد، لأن الآخرون يروهم مرتفعين بها. ولكن الأمر لن يكون كذلك في السماء، فالقديسين في السماء الذين يسمون في الفرح سيسمون أيضًا في القداسة، وبالتبعية سيسمون أيضًا في التواضع. القديسون في السماء هم أكثر تواضعًا من قديسي الأرض، وكلما سمو كلما زاد تواضعهم. القديسون من المرتبة الأعلى، والذين يعرفون الأكثر عن الله، يرون الفرق بينهم وبين الله بشكل أوضح، وبالتالي يقارنون بين أنفسهم والله فيرون أنفسهم أضأل في أعينهم، وهم بالتالي أكثر تواضعًا.
سمو البعض في السماء على الباقين سيكون بعيدًا كل البعد عن كونه يقلل من الفرح الكامل للباقين الذين هم أقل مرتبة، والذين سيسعدون أكثر بسببه. وهكذا ستكون الوحدة في مجتمعهم حتى أنهم سيشتركون في فرح بعضهم البعض. ثم سيتحقق في كماله ما هو مُعلن عنه في 1 كورنثوس 12: 26: "إن كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ."
والآن، إجابة على السؤال: "إن كان كل القديسون سعداء بشكل كامل فكيف يمكن أن توجد درجات من السعادة؟"
يذكر إدواردز كلمة "قدرات". قد يفيد التوضيح التالي: قد يكون لدى البعض كوبًا يسع 8 أونص بناء على أعمالهم ويكون لدى الآخرين ما يسع محيطًا. عندما يصل كل منهما إلى السماء، سيكون كل منهما سعيد بشكل كامل، لأن كل منهما سيكون ممتلأ بحسب قدرته وسعته، ولكن الشخص ذا "سعة المحيط" سيكون لديه بالطبع مقدار السعادة الأكبر، بينما العامل ذا الثمانية أونصات لن يفتقد ما هو لدى الآخر. يجيب أنتوني هوركسيما Anthony Horksema فيقول:
عندما يدرس المرء الموسيقى ويصل إلى البراعة في العزف على آلة موسيقية، فإن قدرته على التمتع بالموسيقى قد زادت جدًا. وبطريقة مشابهة، فإن تكريسنا للمسيح وملكوته يزيد من قدرتنا على التمتع ببركات هذا الملكوت، الآن وفي الحياة الآتية أيضًا. يقول ليون موريس Leon Morris: "هنا والآن يعرف الإنسان الذي يهب نفسه لخدمة المسيح بكل قلبه المزيد من فرح الرب عن ذاك الذي يهب نفسه بنصف قلبه. ولا يوجد سبب لدينا من العهد الجديد لنظن أن الأمر سيختلف في السماء."
وقال بنيان Bunyan أمراً مشابه جدًا: "هذا الذي هو في حضن الله بشكل أعمق، والذي يعمل وفقًا لهذا هنا، هذا الشخص سيتمتع بشكل أفضل بالله في ملكوت السماء."
الدكتور جوزيف نالي، حاصل على درجة الماجستير في اللاهوت الرعوي والدكتوراه في اللاهوت، هو محرر لاهوتيّ في خدمات الألفيّة الثالثة.